فضائح تبون (1/7) – فضيحة البار الباريسي: السقوط الأول لرئيس المستقبل
في أواخر ثمانينيات القرن الماضي، كان عبد المجيد تبون والياً على تيزي وزو. غير أنّ مسيرته دخلت في نفق مظلم بسبب فضيحة غير مسبوقة جمعت بين الفساد، والحياة المزدوجة، والإهانة الدبلوماسية. ما بدا حينها حادثة عابرة كشف في الحقيقة عن نمط حكم ورؤية شخصية سترافق تبون طيلة مساره السياسي.
والٍ يبادل الدولة بمقهى في باريس
في وقت كانت فيه منطقة القبائل تغلي بمطالب الهوية الأمازيغية، انشغل الوالي تبون بصفقة مشبوهة.
مهاجر قبائلي في باريس أراد بيع مقهى وشقة للعودة إلى الجزائر. استغل تبون الفرصة، لكن ليس بماله: منح الرجل امتيازاً منجمياً بقرار رسمي مقابل أن تُسجَّل ملكية المقهى والشقة باسم عشيقته.
هذه الصفقة تكشف منذ البداية عن عقلية الفساد: استعمال أملاك الدولة مقابل مصالح خاصة، مع إخفاء الآثار القانونية باسم وسيط.
حياة مزدوجة بين الجزائر وفرنسا
في باريس، كان لتبون حياة سرية: عشيقة حامل، مقهى مربح، وشقة توفر له ملجأ دائماً. في الجزائر، كان يحافظ على صورته الرسمية مع عائلته.
هذه الازدواجية لم تكن مجرد مسألة شخصية، بل سياسية أيضاً. فوجود “خطة بديلة” خارج الجزائر يعكس فقدان الولاء للدولة واستعداداً للهروب إذا ما انهار النظام أمام الإسلاميين أو الجيش.
وزير مخمور في قلب باريس (1991)
في سنة 1991، عُيّن تبون وزيراً منتدباً لدى وزارة الداخلية. لكنه لم يتأخر في تلطيخ سمعته. عاد إلى باريس لمتابعة “أملاكه”، فوجد أن عشيقته ارتبطت بعلاقة مع النادل الذي كان يدير المقهى.
غاضباً وسكراناً، أحدث تبون فضيحة ليلاً أمام المقهى، ما استدعى تدخل الشرطة الفرنسية. وعندما حاولوا توقيفه صاح:
«لا تلمسوني، أنا وزير الداخلية للجمهورية الجزائرية!»
الحادثة سُجِّلت في محضر رسمي لدى الشرطة، وأُرسلت إلى الاستخبارات الفرنسية ثم إلى المخابرات الجزائرية. بعد أسابيع قليلة، وبضغط من الجنرال توفيق، تمت إقالة تبون من الحكومة في فبراير 1992.
فضيحة بثلاثة أوجه
قضية “البار الباريسي” ليست حادثاً واحداً، بل فضيحة متعددة الأبعاد:
-
الفساد: استغلال منصبه لمنح امتياز منجمي مقابل مقهى وشقة.
-
الحياة المزدوجة: أسرة في الجزائر وأخرى سرية في فرنسا.
-
الإهانة الدبلوماسية: وزير جزائري سكير يثير فضيحة أمام الشرطة الفرنسية.
كانت هذه أولى السقطات الكبرى لعبد المجيد تبون. أُبعد من السلطة وبدأ رحلة منفى سياسي داخلي. غير أنّ الرجل سيعود بعد سنوات بفضل صداقاته وشبكاته، ليصعد مجدداً. لكن بالنسبة لكثيرين من شهود تلك الحقبة، سيظل تبون دائماً “رجل البار الباريسي”.