الجزائر تُصادق على قانون “التعبئة العامة”.. رسائل ميدانية في لحظة إقليمية دقيقة
في خطوة مفاجئة تزامنت مع انشغال الرأي العام المغاربي بمباراة في كأس الكونفدرالية بين نهضة بركان المغربي وشباب قسنطينة الجزائري، صادق مجلس الوزراء الجزائري، برئاسة الرئيس عبد المجيد تبون، يوم الأحد، على مشروع قانون “التعبئة العامة”، في ثالث ظهور لهذا القانون منذ استقلال البلاد.
ويفتح النص الجديد الباب أمام تعبئة عسكرية واسعة، تشمل فئة “الاحتياط” من المجندين السابقين ومؤدي الخدمة الوطنية، ممن تتوفر فيهم شروط الجاهزية والانضباط والسن، في خطوة أثارت تساؤلات واسعة حول خلفياتها وتوقيتها.
دلالات تاريخية لا يمكن تجاهلها
لا تُخرج الجزائر هذا النوع من القوانين من أدراجها التشريعية إلا في محطات حرجة، كما تشير إليه الذاكرة السياسية والعسكرية للبلاد. فقد فُعّل قانون “التعبئة العامة” لأول مرة سنة 1963 خلال “حرب الرمال” ضد المغرب، ثم أعيد استخدامه خلال “العشرية السوداء” في التسعينات لمواجهة تهديدات داخلية كادت أن تعصف بكيان الدولة.
اليوم، وبعد أكثر من عقدين من تجميد هذا الإجراء، يُطرح السؤال بإلحاح: ما الذي يستدعي اللجوء إليه مجدداً في هذا الظرف بالذات؟
تحوّل مغربي يُربك حسابات الجزائر
يرى مراقبون أن القرار يأتي في ظل تحولات استراتيجية تعرفها قضية الصحراء المغربية، حيث راكمت الرباط مكاسب دبلوماسية غير مسبوقة، وعززت موقعها على الساحة الدولية، خصوصاً مع تصاعد التأييد العالمي لمبادرة الحكم الذاتي، التي باتت مرجعية أممية لحل النزاع.
تقدّم اعتبره البعض “هزيمة ناعمة” للجزائر، التي دعمت لعقود جبهة البوليساريو بالمال والسلاح والدعاية، وهو ما يضع المؤسسة العسكرية الجزائرية في مأزق استراتيجي يصعب التراجع عنه دون تكلفة سياسية داخلية وخارجية.
مؤشرات ميدانية تُثير القلق
رغم صمت الجزائر الرسمي، تشير صور الأقمار الصناعية ومعطيات مراكز المراقبة الدولية إلى تحركات غير اعتيادية قرب الحدود الشرقية للمملكة المغربية، من أبرزها:
-
أعمال مكثفة لبناء المتاريس والخنادق
-
إنشاء مطارات ومهابط جوية عسكرية جديدة
-
تحريك وحدات مدرعة باتجاه الحدود
-
توسيع منصات إطلاق الصواريخ ومنظومات الدفاع الجوي
-
ارتفاع وتيرة المناورات العسكرية
هذه المعطيات تعزز الانطباع بأن مشروع “التعبئة العامة” ليس فقط إجراءً رمزياً، بل جزء من سياق ميداني تصعيدي يلوّح باستخدام القوة أو التهديد بها ضمن حسابات التفاوض والضغط الإقليمي.
بين خيارَي التصعيد والتسوية
تجد الجزائر نفسها اليوم أمام مفترق طرق:
-
إما القبول بتسوية شاملة تحفظ ماء الوجه بعد تراجع مشروعها الانفصالي،
-
أو المضي في خيار تصعيدي قد يُدخل المنطقة في نفق توتر يصعب التحكم في تبعاته.
وفي خضم هذه المعطيات، يظل السؤال مطروحاً: هل تعبّئ الجزائر جبهتها الداخلية تحضيراً لمواجهة خارجية؟ أم توظف خطاب التعبئة لصرف الأنظار عن تحديات داخلية متفاقمة؟