الجزائر بين الفن والسياسة: محمد خساني ضحية جدل مفتعل
أثارت مشاركة الفنان الجزائري محمد خساني في فيديو كليب مغربي عاصفة من الانتقادات في الجزائر، وصلت إلى حد المطالبة بسحب بطاقة الفنان منه. ورغم أن الأمر لم يتجاوز ظهوره في لقطة راقصة إلى جانب فنان مغربي، إلا أن بعض الأصوات في الجزائر تعاملت مع الحادثة وكأنها “خيانة وطنية”، في مشهد يعكس حساسية مفرطة تجاه كل ما هو مرتبط بالمغرب.
تضخيم إعلامي ومزايدات وطنية
ردود الفعل التي تلت ظهور خساني بدت وكأنها حملة منظمة أكثر من كونها نقاشاً فنياً. فبدل أن يُنظر إلى الكليب على أنه عمل إبداعي مشترك، تحوّل إلى مادة لتأجيج الخطاب الشعبوي، حيث اعتُبرت رقصة عابرة “إهانة للجزائر”. هذه المبالغات تطرح سؤالاً جاداً: هل يمكن للفنان الجزائري أن يتحرك خارج حدود السياسة دون أن يُتَّهم في وطنيته؟
خساني في مواجهة ماكينة الاتهام
خساني نفسه عبّر عن استغرابه من حجم الهجوم الذي تعرض له، مؤكداً أنه مجرد “فنان” وأن ما قام به لا يستحق كل هذا الضجيج. لكن ما بدا لافتاً هو أن تصريحاته الهادئة اصطدمت بجدار من المزايدات، وكأن اعتذاره أو تفسيره غير كافٍ أمام رغبة البعض في تحويل القضية إلى محاكمة علنية للفنانين.
الفن ككبش فداء للخلافات السياسية
القضية تكشف مرة أخرى عن الطريقة التي يتم بها ربط الثقافة والفن بالخلافات السياسية بين الجزائر والمغرب. ففي حين يرى كثيرون في العالم أن الفن جسر للتقارب بين الشعوب، يبدو أن في الجزائر يُنظر إلى أي تعاون فني مع المغرب بعين الشك والتوجس، حتى وإن كان مجرد مشاركة في عمل موسيقي.
صورة الجزائر على المحك
المفارقة أن التضييق على حرية فنان بسبب رقصة في كليب قد يسيء أكثر لصورة الجزائر خارجياً من الكليب نفسه. فالعالم يشاهد كيف يُعاقب الفنان لا لسبب سوى ظهوره مع جار مغربي، ما يعطي انطباعاً بأن الجزائر بلد لا يفصل بين الفن والسياسة، ويخشى من ظلّ المغرب حتى في أبسط الإبداعات الفنية.
محمد خساني لم يخطئ بقدر ما أخطأت الذهنية التي تضخّم التفاهات وتحوّل الفن إلى قضية أمنية. الجدل المفتعل يكشف عن أزمة أعمق: الجزائر لا تزال عاجزة عن التعامل مع الثقافة كمساحة حرة، بعيدة عن عقد السياسة والجغرافيا. وفي النهاية، يبقى الخاسر الأكبر هو الفن الجزائري الذي يُسجن في أسوار السياسة، بدل أن يكون نافذة للانفتاح على العالم.