‫الرئيسية‬ تاريخ التوليدانو، المبعوثون اليهود لمولاي إسماعيل
تاريخ - يوليو 30, 2024

التوليدانو، المبعوثون اليهود لمولاي إسماعيل

توليدانو

شهدت فترة حكم السلطان العلوي مولاي إسماعيل ازدهارًا ملحوظًا في العلاقات الدبلوماسية والتجارية بين المغرب وأوروبا. من بين الشخصيات البارزة التي لعبت دورًا حاسمًا في هذه الفترة، عائلة التوليدانو اليهودية، التي ساهمت في تعزيز العلاقات المغربية الأوروبية من خلال مناصبهم كمبعوثين وسفراء للسلطان. في هذا المقال، سنتناول بالتفصيل دور عائلة التوليدانو في السلك الدبلوماسي المغربي وأثرهم الكبير في تاريخ المغرب الحديث.

الخلفية التاريخية

قبل تتويجه كسلطان، كان مولاي إسماعيل يعمل كمندوب لشقيقه، السلطان مولاي رشيد، في فاس. خلال هذه الفترة، كان اليهود المغاربة يشكلون جزءًا هامًا من النسيج الاجتماعي والاقتصادي، وكانوا غالبًا ما يعملون كتجار ومستشارين للحكام. بعد وفاة مولاي رشيد، تمكن مولاي إسماعيل من اعتلاء العرش بفضل الدعم المالي والمعلوماتي الذي قدمه له يوسف ميمران، وهو تاجر يهودي بارز.

يوسف ميمران: المستشار الأمين

كان يوسف ميمران أول من أبلغ مولاي إسماعيل بوفاة شقيقه، وهو الخبر الذي سمح له بالتحرك بسرعة لتأمين العرش. لم يكن هذا الدعم المالي مجرد لفتة سخية، بل كان أيضًا تعبيرًا عن الثقة المتبادلة والعلاقات القوية بين مولاي إسماعيل والمجتمع اليهودي. تعيين يوسف ميمران كمستشار رئيسي للسلطان في الشؤون الخارجية يعكس الدور المهم الذي لعبته العائلات اليهودية في تشكيل السياسة المغربية خلال تلك الفترة.

توسع العلاقات التجارية

تطلع مولاي إسماعيل إلى توسيع نطاق التجارة المغربية خارج حدودها التقليدية مع هولندا لتشمل دولًا أوروبية أخرى. كانت العائلات اليهودية، بما في ذلك عائلة التوليدانو، في مقدمة هذا الجهد. ساهمت هذه العائلات في توقيع العديد من المعاهدات التجارية والاتفاقيات الدبلوماسية التي عززت من مكانة المغرب كقوة تجارية إقليمية.

دور يوسف توليدانو

في عام 1688، قدم يوسف توليدانو أوراق اعتماده إلى الدول العامة في هولندا كسفير رسمي للإمبراطورية الشريفة. كان اختياره لهذا المنصب نتيجة لموقعه المميز داخل البلاط العلوي وعلاقاته القوية مع الأسرة الحاكمة. نجح توليدانو في تجديد معاهدة السلام والتجارة مع هولندا، مما أدى إلى تحسين العلاقات التجارية بين البلدين بشكل كبير.

التحديات والنجاحات

على الرغم من النجاحات التي حققتها العائلات اليهودية في تعزيز العلاقات المغربية الأوروبية، لم تخلُ هذه الفترة من التحديات. في بداية التسعينيات من القرن السابع عشر، تصاعدت التوترات بين المغرب وهولندا بسبب توقف إمدادات الأسلحة والذخائر. أرسل مولاي إسماعيل حاييم توليدانو إلى هولندا للتفاوض حول استئناف الإمدادات. بفضل مهاراته الدبلوماسية، نجح حاييم في تمديد المعاهدة وإطلاق سراح بعض الأسرى الهولنديين.

توسيع الدبلوماسية إلى بريطانيا

لم تقتصر جهود الدبلوماسية على هولندا فقط، بل امتدت إلى بريطانيا أيضًا. في عام 1692، عين مولاي إسماعيل حاييم توليدانو كمبعوث خاص إلى بريطانيا. بفضل إتقانه للغة الإسبانية ونفوذه الكبير، تمكن حاييم من تحقيق نجاحات دبلوماسية مهمة، مما عزز من العلاقات التجارية والسياسية بين المغرب وبريطانيا.

موشيه توليدانو: حلقة الوصل

في عام 1698، أرسل مولاي إسماعيل موشيه توليدانو إلى هولندا لتعزيز العلاقات الدبلوماسية والتجارية بين البلدين. لعب موشيه دورًا حاسمًا في تسوية العديد من القضايا المالية والتجارية، مما أدى إلى تحسين العلاقات الثنائية بشكل كبير. تم تكريمه لاحقًا بتعيينه كمسؤول عن تصنيع الأسلحة للمغرب، وهو ما يعكس الثقة الكبيرة التي كان يتمتع بها داخل البلاط العلوي.

النهاية والتأثير

لم يكن دور عائلة التوليدانو محصورًا في فترة معينة بل استمر تأثيرهم لعدة عقود. في عام 1717، أرسل مولاي إسماعيل مبعوثًا آخر من عائلة التوليدانو إلى إسبانيا. على الرغم من التحديات التي واجهها هذا المبعوث، إلا أن جهود العائلة في تعزيز العلاقات المغربية الأوروبية لم تتوقف.

تعد قصة عائلة التوليدانو نموذجًا مشرفًا لدور اليهود المغاربة في التاريخ الدبلوماسي والتجاري للمغرب. من خلال مهاراتهم الدبلوماسية وعلاقاتهم القوية، تمكنت هذه العائلة من تعزيز مكانة المغرب على الساحة الدولية وتحقيق العديد من النجاحات التي ما زال التاريخ يذكرها حتى اليوم.