فضائح تبون (2/7) – سنوات الصحراء: من وزير مُبعَد إلى تاجر حمص وعدس في أدرار
فبراير 1992. بعد الفضيحة التي هزّت صورته في باريس، أُقيل عبد المجيد تبون من منصبه الوزاري. بدا أن مساره السياسي انتهى، وأن اسمه سيُطوى نهائياً في دهاليز النسيان. غير أنّ الرجل، المتمرّس في لعبة البقاء، عرف كيف يُعيد ترتيب أوراقه بعيداً عن العاصمة، في صحراء أدرار، حيث سيقضي عقداً كاملاً في الظلّ، لكنه لم يكن عزلة بريئة بقدر ما كان تحضيراً لعودة مدوّية.
أدرار: المنفى الاختياري
اختار تبون التوجّه إلى أدرار، مدينة هادئة بعيدة عن صخب العاصمة وعن أخبار فضيحته الباريسية التي تسربت إلى بعض الدوائر.
هناك شيّد فيلا فخمة تعكس حجم الأموال التي جمعها من “صفقاته” السابقة. اختيار أدرار لم يكن عبثياً: فهي مسقط رأس عائلة زوجته، كما أنها كانت بعيدة عن لهيب الإرهاب الذي اجتاح مناطق أخرى من الجزائر خلال التسعينيات.
من وزير إلى تاجر حبوب
بعد سقوطه من السلطة، تقمّص تبون دور رجل الأعمال المتواضع. أسّس مع صديقه محمد حسوني – الذي سيصبح لاحقاً مستشاراً رئاسياً مكلّفاً بالزوايا والشؤون الدينية – شركة صغيرة لتجارة الحمص والعدس.
لكن نشاطه التجاري لم يكن سوى واجهة. فالحقيقة أنه كان يواصل بناء شبكة علاقات جديدة عبر بوابة الزوايا.
الزوايا: الطريق الخلفي للعودة
في أدرار، وجد تبون في الزوايا الصوفية ركيزة لإعادة إدماجه في المشهد السياسي. صديقه حسوني قدّمه إلى الشيخ بلقبر، أحد كبار شيوخ الزوايا في الجنوب. ومن خلال هذه الواجهة الدينية، صار له منفذ إلى دوائر السلطة من جديد.
اللقاء الحاسم مع بوتفليقة
الأقدار وضعت في طريقه رجلاً آخر يعيش عزلة مشابهة: عبد العزيز بوتفليقة، الوزير السابق الذي كان بدوره على هامش المشهد منذ سنوات. بوتفليقة كان يجد في أجواء التصوف والجنوب فضاءً للهروب من تهميش السلطة العسكرية له.
في فيلا تبون، نشأت علاقة خاصة بين الرجلين. بوتفليقة، المثقف والخطيب البارع، كان يروي تجاربه مع قادة عالميين مثل فيديل كاسترو وتشي غيفارا وديغول. أما تبون، فكان يصغي بانبهار، باحثاً عن اعتراف يرمم كبرياءه المجروح.
هكذا تحوّل التاجر “المتواضع” إلى مضيف دائم لشخصية ستعود قريباً إلى قلب الحكم.
قراءة في هذه المرحلة
سنوات الصحراء لم تكن مرحلة عزلة حقيقية، بل مرحلة:
-
إعادة تموضع: الانتقال من الفشل الوزاري إلى بناء شبكة جديدة.
-
استغلال الفرص: الزوايا كمدخل للشرعية والعودة.
-
رهان استراتيجي: الارتماء في حضن بوتفليقة الذي كان يعدّ نفسه للعودة.
تبون أثبت أنه يعرف كيف يتحوّل من خاسر إلى “مستفيد” بفضل براغماتيته.
ما بدا منفًى كان في الحقيقة محطة لإعادة ترتيب الأوراق. في صحراء أدرار، أعاد تبون بناء نفسه، ليس كسياسي صاحب مشروع، بل كشبكة علاقات وخدمات متبادلة. ومع وصول بوتفليقة إلى الحكم سنة 1999، سيطرق باب السلطة مجدداً.