ضعف الدولار… فرصة جديدة أمام الاقتصاد المغربي
شهد الاقتصاد المغربي بين سنتي 2001 و2008 واحدة من أنجح الفترات في تاريخه الحديث. ففي ظرف ثماني سنوات فقط، تضاعف الناتج الداخلي الخام من 44 إلى 101 مليار دولار، كما حقق المغرب فائضًا نادرًا في ميزان المدفوعات، وهو ما لم يتكرر منذ ذلك الحين. العامل الأساسي وراء هذه الطفرة كان ضعف الدولار، الذي سمح للدرهم بالحفاظ على تنافسية معتدلة دون أن يفقد استقراره.
اكتشف العامل الحقيقي الوحيد الذي يحدد سعر الذهب
لكن ابتداءً من سنة 2008، انقلبت المعطيات رأسًا على عقب. فقد استعاد الدولار هيمنته تحت تأثير الأزمات المتتالية: أزمة الرهن العقاري في أمريكا، أزمة الديون السيادية في أوروبا، ثم أزمة اليونان. في المقابل، استغلت العديد من الاقتصادات الناشئة مثل الصين وتركيا والبرازيل الوضع عبر خوض حرب عملات، إذ تعمدت خفض قيمة عملاتها لتصدير منتجاتها بأسعار أكثر تنافسية.
أما المغرب، فظل مقيدًا بنظام صرف شبه ثابت قائم على سلة العملات، ما جعل الدرهم يرتفع أحيانًا بدل أن ينخفض. النتيجة كانت واضحة: تفاقم العجز التجاري مع الشركاء التقليديين والجدد، وفقدان حصص مهمة في أسواق السياحة والصناعة، باستثناء قطاعي الفوسفاط وصناعة السيارات. والأسوأ أن المغرب اضطر إلى اللجوء لخطوط التمويل من صندوق النقد الدولي لتغطية فاتورة واردات متنامية.
المقارنة بين المرحلتين تكشف بوضوح حجم الفارق: 130% نمو في ثماني سنوات (2001 – 2008) مقابل 30% فقط خلال خمسة عشر عامًا (2008 – 2022). وهو دليل قاطع على الدور الحاسم الذي تلعبه السياسة النقدية في رسم مسار الاقتصاد.
اليوم، تعود الدورة من جديد. فالدولار يعرف موجة ضعف منذ بداية السنة، وهو ما يفتح أمام المغرب نافذة جديدة للانتعاش. وبما أن وزن الدولار في سلة الدرهم لا يتجاوز 40%، فإن ارتفاع باقي العملات العالمية لن ينعكس بشكل كامل على العملة الوطنية، مما يمنح المغرب تفوقًا نسبيًا مقارنة بمنافسيه.
هذه الظروف تمثل فرصة حقيقية لإعادة الاعتبار لقطاعات إنتاجية طالها الإهمال لعقود: النسيج، الجلد، الصناعات التقليدية، الورق، الأجهزة الكهرومنزلية، الصناعات الغذائية والمعادن. كلها قطاعات قادرة على خلق فرص عمل وتحسين الصادرات إذا ما أُحسن استغلال الظرف الدولي.
لكن الخطر قائم أيضًا. فإذا ارتفع الدرهم أكثر مما يجب، سيفقد “صُنع في المغرب” تنافسيته، ويتعمق العجز التجاري، ويتراجع الادخار الوطني، ما سيؤدي في النهاية إلى تباطؤ الاستثمار والنمو.
إن التجربة المغربية تذكرنا بحقيقة أساسية: العملة ليست مجرد أداة استقرار مالي، بل يمكن أن تكون رافعة قوية للنمو أو عبئًا يثقل كاهل الاقتصاد. واليوم، الكرة في ملعب صناع القرار لاستثمار هذه المرحلة، وتحويل ضعف الدولار من مجرد ظرفية عابرة إلى رافعة إستراتيجية للنهوض بالاقتصاد الوطني.