لا تذهب إلى العراق: حملة تحذر تبون من مغامرة دبلوماسية
أطلق نشطاء جزائريون حملة واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي تحت وسم “لا تذهب إلى العراق”، مطالبةً الرئيس عبد المجيد تبون بعدم السفر إلى بغداد لحضور القمة العربية المزمع عقدها في منتصف مايو المقبل. الحملة، التي لاقت تفاعلًا شعبيًا كبيرًا، تعكس قلقًا عميقًا من عواقب هذه الزيارة المحتملة، وتسلط الضوء على المخاطر السياسية والأمنية التي قد تترتب عليها.
خلفيات الحملة: تاريخ مشؤوم مع العراق
تستند الحملة إلى خلفيات تاريخية أليمة في الذاكرة الجماعية للجزائريين، تتعلق بمواقف سابقة لقيادات جزائرية في العراق انتهت بشكل مأساوي. أول هذه الحوادث كان وفاة الرئيس الراحل هواري بومدين بعد زيارته للعراق في عام 1978، حيث ارتبطت تلك الزيارة بنظرية التسميم التي لا تزال تثير الجدل رغم غياب الأدلة القاطعة. بالإضافة إلى ذلك، تذكر الحملة الحادثة المأساوية التي طالت وزير الخارجية الأسبق محمد الصديق بن يحيى عام 1982، الذي لقي حتفه إثر تحطم طائرته في ظروف غامضة أثناء وساطته بين العراق وإيران، حيث أشير إلى احتمال استهدافها بصاروخ عراقي.
هذه الوقائع التاريخية تُعتبر جزءًا من سياق الحملة الرافضة لزيارة تبون إلى العراق، ويستحضرها الكثيرون كمؤشرات على خطورة التورط في العلاقات مع بلد يشهد صراعات سياسية وأمنية معقدة، ويعاني من تدخلات متعددة لأجهزة مخابرات أجنبية.
الوضع الأمني والسياسي في العراق: هل يغامر تبون؟
الوضع الأمني في العراق لا يزال هشًّا، مع استمرار الصراعات الداخلية بين الفصائل المسلحة والتدخلات الخارجية التي تؤجج الوضع. في ظل هذه الأجواء، يطرح المتابعون تساؤلات حول ما إذا كان من الحكمة إرسال رئيس دولة إلى منطقة ملتهبة، في وقت تزداد فيه المخاوف من استهداف شخصيات سياسية كبيرة في مثل هذه الظروف.
محمد المهدي، أحد الناشطين على مواقع التواصل، كتب في منشور له: “عندما يدخل رئيس الجزائر إلى العراق، فإنه لا يدخل دولة ذات سيادة، بل منطقة رمادية تتصارع فيها أجهزة المخابرات العالمية”. هذا التحذير يبرز القلق العميق من أن تبون قد يصبح هدفًا لأجندات خارجية في ظل التصعيد الإقليمي المستمر.
من جانب آخر، هناك أصوات تصف الزيارة المحتملة بأنها مجازفة غير مبررة. أحد هؤلاء، محمود جبري، دعا الرئيس الجزائري إلى “عدم المجازفة”، مشيرًا إلى أن الجزائر بحاجة إلى رئيسها أكثر من أي وقت مضى، وأن أي تهديد قد يتعرض له تبون سيضر بمستقبل البلاد.
التأثير على العلاقات الجزائرية-العراقية: بين التاريخ والمستقبل
رغم أن الحملة لا تخلو من مطالب مشروعة بشأن أمن الرئيس، فإنها قد تؤثر سلبًا على العلاقات الجزائرية-العراقية التي شهدت تحسنًا في السنوات الأخيرة. الرئيس العراقي عبد اللطيف جمال رشيد كان من أوائل القادة الذين حضروا قمة الجزائر في 2022، وأشاد حينها بمستوى التنظيم وبالعلاقات الأخوية بين البلدين. كما شارك العراق في قمة الغاز في الجزائر في 2024، مما يعكس تحسّنًا في الروابط السياسية والاقتصادية.
في هذا السياق، يُحذّر بعض المعلقين من تعميم الأخطاء التاريخية على الوضع الحالي، مشيرين إلى أن العراق لا يمكن اختزاله في ماضيه الدامي، بل يجب أن يُنظر إليه كدولة شقيقة تواجه تحديات أمنية وسياسية، ويجب أن تظل الجزائر حاضرة بقوة في محيطها العربي والدولي.
الخلاصة: مغامرة غير محمودة العواقب؟
إن الحملة الرافضة لزيارة تبون إلى العراق قد لا تكون مجرد تعبير عن مخاوف عابرة، بل هي انعكاس لحالة من القلق العميق في الشارع الجزائري بشأن مستقبل البلاد في ظل التحديات الأمنية والسياسية التي تواجهها. قد تكون هذه الزيارة خطوة دبلوماسية مهمة، لكنها تأتي في وقت حساس حيث تزداد المخاوف من التورط في صراعات إقليمية قد تؤثر سلبًا على الجزائر.